لعلك تظن انه مثلث جغرافي على الخارطة أو حربي،لكن قلّما يُعرف من كونه يشكل رؤس لثلاثة شعراء عاشوا في العصر الأموي،وهم:جرير والفرزدق والاخطل.امتاز لونهم الشعري بالهجاء،وعُدّ جرير أشعر الثلاثة يليه الفرزدق فالاخطل؛وكان للتعصب القبلي دور في وضع الاخطل مع الشاعرين،ولإنهما من مضر فتعصبت ربيعة لشاعرها الاخطل وأفرطت فيه،فأعلم ان منزلة الأخطل كانت دون جرير والفرزدق.
وبالتأكيد أن لكل شاعر غرضاً شعرياً أمتاز به عن غيره؛ فقد كان جرير يُحسن ضروباً من الشعر لايحسنها الفرزدق،فأتُفِق أن جرير أغزلهم،والفرزدق أفخرهم، والأخطل امدحهم.أما بالنسبة للتراكيب والأسلوب فإن شعر الفرزدق صلب ومتماسك،أما جرير فقد عُرِف برقة شعره،وبالتأكيد لأن الغزل ترافقه الرقه. وقد أُثر عن مالك ابن الخطل قولاً حينما وصل الأخطل تهاجي جرير والفرزدق، فقال له: إنحدر الى العراق حتى تسمع منهما وتأتيني بخبرهما، فأتى اباه فقال:"جرير يغرف من بحر والفرزدق ينحت من صخر".
فهذا يدل على سبك الفرزدق لكلماته ورقة شعر جرير. وأكد الفرزدق ذلك حين قال:" ما أحوجه مع عفته الى صلابة شعري، وما أحوجني الى رقة شعره".
كذلك ينسب له القول:"وإني وإياه لنغترف من بحرٍ واحد،وتضطرب دلاؤه عند طول النهز". والنهز:كلام لامعنى له.أراد بقوله؛ضعف جرير في الغوص على المعاني.
أضف الى ان الفرزدق كان أكثرهم بيتاً مقلداً، والبيت المقلد هو المشهور الذي يضرب به المثل.
ولأن الشعر يرويه كل قوم بأهوائهم،نحتكم الى الشاعر مروان ابن ابي حفصة الذي أنصفهم بقوله:
ذهب الفرزدق بالفخار وإنمــا حــلو الكلام ومره لجريـــــــرِ
ولقد هجا فأمض أخطل تغلبٍ وحوى اللهى بمديحه المشهورِ
كل الثلاثة قد أجاد فمدحـــــه وهجاؤه قد ســــــار كل مسيِِرِ




.. وقال هشام بن محمد الكلبي عن أبيه قال: دخل رجل من بني عذرة على عبد الملك بن مروان يمتدحه بقصيدة وعنده الشعراء الثلاثة، جرير والفرزدق والاخطل، فلم يعرفهم الأعرابي ..
فقال عبد الملك للأعرابي: هل تعرف اهجى بيت قالته العرب في الإسلام ؟ قال: نعم ! قول جرير:
فغض الطرف إنك من نمير * فلا كعبا بلغت ولا كلابا

فقال: أحسنت، فهل تعرف أمدح بيت قيل في الاسلام ؟
قال نعم ! قول جرير:
ألستم خير من ركب المطايا * وأندى العالمين بطون راح

فقال: أصبت أحسنت، فهل تعرف أرق بيت قيل في الإسلام ؟
قال: نعم ! قول جرير:
إن العيون التي في طرفها مرض * قتلننا ثم لم يحيين قتلانا
يصرعن ذا اللب حتى لا حراك به * وهن أضعف خلق الله أركانا


فقال: أحسنت، فهل تعرف جريرا ؟ قال: لا والله، وإني إلى رؤيته لمشتاق.
قال: فهذا جرير وهذا الفرزدق وهذا الاخطل !!

فأنشأ الاعرابي يقول.
فحيا إلاله أبا حرزة * وأرغم أنفك يا أخطل
وجد الفرزدق أتعس به * ورق خياشيمه الجندل


فأنشأ الفرزدق يقول:
يا أرغم الله أنفا أنت حامله * يا ذا الخنا ومقال الزور والخطل
ما أنت بالحكم الترضى حكومته * ولا الأصيل ولا ذي الرأي والجدل


ثم أنشأ الأخطل يقول: -
يا شر من حملت ساق على قدم * ما مثل قولك في الأقوام يحتمل
إن الحكومة ليست في أبيك ولا * في معشر أنت منهم انهم سفل


فقام جرير مغضبا وقال: -
أتشتمان سفاها خيركم حسبا * ففيكما - وإلهي - الزور والخطل
شتمتاه على رفعي ووضعكما * لا زلتما في سفال أيها السفل


ثم وثب جرير فقبل رأس الأعرابي وقال: يا أمير المؤمنين جائزتي له، وكانت خمسة آلاف ، فقال عبد الملك: وله مثلها من مالي، فقبض الأعرابي ذلك كله وخرج. ... ]